الأحد، 29 أغسطس 2010

8



حين أقف,
يتفرّع الطريق والأفكار
ويصير التراب مدًا معدنيا مصقولًا
يعكسُ لونا واحدًا
أسود أبيض وما بينهما
يغيب في عتمة الألوان,
ويظل لونا واحدًا
لم يكن لون السماء ..

وحين أقف,
لا أجد من يقف معي سوى قدماي
وساقٌ خلفي لا أعرف لمن
تتقاطع معي مثل شوكة في الطريق
يا ربّ هذا الضيق
من الوريد إلى الوريد ..

بالأمس غفوت
وتعلّقتُ بالسماء, رأيتها كائن أبيض
وعليها جسمٌ صغير, مرتجف بين حبالها
تنسلّ من بين يديه
كنتُ أراني, ذلك الجسم الصغير
تنسلّ مني دلاء فارغة للماء
وقد سقطت ..
وحين وقفت,
لمستُ رأسي ووجدتهُ كبيرًا, بحثتُ عن مرآة لأرى كيف حملته, كيف يتدحرج على كتفيّ, كيف كنتُ أضغطهُ برفق وأجمعهُ بين أصابعي, وفي ما دون أصابعي كان ينمو, وأمسكُ به قبل أن يقع, أو ينفجر, لم أشعر بأي ألم, أو أن الألم لم يكن يؤلمني, التفتُ للساق الغريبة, لم أجدها خلفي, كنتُ في الحلم, وحين ركضتُ لأبحث عن مرآة, عن مرآة في الماء, وجدتُ الماء بعيدا, وحين اقتربت تبخر, ثم أمطرتهُ السماء بجانبي, ركضتُ إليه وتبخر, ثم أمطرتهُ يساري, ركضتُ إليه وشربته الأرض, وهكذا كانت السماء تمطر بعيدا عني, وتشربه الأرض قبل أن أصل, أو تشربه السماء حين أصل, حتى لمعت الأرض كلها بالبلل, شعرتُ بالضيق, لم تكن غير وسيلة لأبتعد, غير فخ على مهل, يمنعني - يستدرجني عن الماء ..
ورأسي ينتفخ
ويتخففّ مني
لم أعد أشعر به
بل لم يعد هناك شيء بداخله
وكانت عيناي بداخله
رأيتُه جدارا مطاطيا مشدودا
لم أدرك كيف مضيت في طريقي وعيناي بداخلي
ومن الروع كنتُ أركض
وأطير تارة
كنتُ أركض و أطير
وأحاول بقدماي أن أمسك الأرض
صرتُ لا جاذبية
أو صار رأسي كذلك
وانتفخ حتى غصتُ بداخله
ارتفعتُ, وأطرافي أحركها بهلع الغريق
كنتُ أغرق في رأسي وأغوص في السماء
وأتخيلني جرما عالقا بين الطبقات السبع
أو أن الروح ابتلعتني
وصرتُ عظمة حرة بداخلها
أجدّف وأشجّ فيها مخرجا
وحين شعرتُ بالألم
تغرغرتُ بالصراخ
وشرقتُ بالملوحة

وحين وقفت,
كان السقف عاليا
يرف فيه رمشان
مثل جناح يرف ولا يطير
وبقيت أتأملني
كرة تترددُ بين فراغين
حطّ عليّ نورس ونقرني نقرتين
تفجّرتُ بالماء
وهويتُ فيه
صرتُ أكبُرُ مساحاتي بمساحات
لم أتعرف إليّ
شيء ذائبٌ على الأرض وأزرق
ويأكل السمك من بطنه, نورس !
ويقرفص الصياد على مقربة
وسنارتهُ يرمي بها عليّ
شوكة تشوكني وتلوكني,
مثل ساق في الطريق
تغص بها بطانتي ..

آه .. يا ربّ هذا الوريد
من الضيق إلى الضيق ..

الأحد، 8 أغسطس 2010

7 - نحبُ الحياة غدًا *





"لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ
قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء
بما ليس يَعْنيك, قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ.

قلبي بريء مضيء مليء،

ولا وقت في القلب للامتحان .. بلي،

لا أُحبُّكَ, مَنْ أَنت حتَّى أُحبَّك؟

هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي،
وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟
لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ
هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ.
عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ ...
ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ !"


:


لو كانت السنين بلا 9 أغسطس !
هذا التأريخ من السنة يجعلهم يكررون حديثهم عنك, وبالأخص حينما متّ !
يجلبون قصائدك التي كففت عن نشرها, أعلم أنك تكتبُ هناك ما يوازي قصائدك التي حرّرتها من أوراقك عبر الحمام المنطلق من أقاصي جوفك حاملًا صوتك على منصة من خشب يصفق لك فيها الأكثرون وهم يلمسون السماء بيدك ويثنوها كما تثني أوراق قصائدك, ومن بينهم ترمقكَ السلطات بعين كما لو أنها سلاسل تلاحق يديك .. يقولون أن آخر ما دونته عن الحرية كان كذا, وعن الحب كان كذا, وعن الوطن الذي تواريه في كل أغراض شعرك حينما تحزن وتغضب وتثور وتحرّض وتنعي وتواسي وتطرح وترفع وتطير وتحطّ وتهتف وتبكي وتحب وتهيم وتعشق, "وتمشي, وتهرول, و تركض, وتصعد, وتنزل, و تصرخ, وتنادي, وتولوّل, وتسرع, وتبطئ, وتهوي, وتخفّ, وتجفّ, وتسير, وتطير, وترى, ولا ترى, وتتعثّر, وتصفرّ, وتخضرّ, وتزرقّ, وتنشق, وتجهش, وتعطش, وتتعب, وتسغب, وتسقط, وتنهض, وتركض, وتنسى, وترى, ولا ترى, وتتذكر, وتسمع, وتبصر, وتهذي, وتهلوس, وتهمس, وتصرخ, ولاتستطيع, وتئنّ, وتجنّ, وتضلّ, وتقلّ, وتكثر, وتسقط, وتعلو, وتهبط, وتُدمى, ويغمى عليك" وتموت كان كذا, يكررون من كلمة كان, وكان .. أنتَ تكون ولا تزال تكون, وكائن كما لو أنك شيء أزلي, شيء ممتد منذ أول وجودنا نحن البشر على بقعة نهتف بمناداتها -وطن- وفي بقعة أخرى منفية لا تحفّك بأسوارها ولا تغطيك بانتمائها إليك وانتماؤك إليها, أنتَ موجود بفطرة الكون وجلدتكَ التي تحرث فيها وتبذر أخذتها من تراب الأرض وتزول حين تزول هيَ ..
لو قلتَ لهم البارحة لا أريد حفلًا أسودًا, و وجوها متيبسة جاءت من قبرٍ لا تعرفه بعد أن ألقت عليه السلام و الورود, لو قلت لهم أنكَ أكثر منهم عشقا للحياة, ولو قلت لهم أنك تحنَ إلى تلك المنصة التي "ترنو فوقها, وترى العالم كله يرنو إليك", لو قلتَ لهم "أنكَ أنتَ وحدك الذي لم تبكِ في ذاك الصباح" !


:


"واقفون هنا, قاعدون هنا, دائمون هنا, خالدون هنا
ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون
".


* ما بين الدمعتين, مقتبسٌ منه بتصرف.