الأحد، 22 أبريل 2012

15

" إلى .. هذا الجمال الذي تمّت خيانته" * :


هي كل البدايات التي تهزنا نهاياتها، هكذا تبدأ على مهل تباغت اللحظة الخالية من أي فكرة ستجر بداية خلفها، تحقيقنا لتلك الفكرة تحقيق غاية من الحياة التي على يديها سوف نفنى ..

البدايات التي تضع أوزار النهايات على ظهورنا، فنحملها وكلما سرنا بها في طريق العمر والوهن ازدادت ثقلا، تلك البدايات بلا شك نهاياتها حتفنا ..

ها أنا ذا أعود لبداياتي، عندما أمسكُ بمقعدي في المدرسة وأحلم بأن أكون غريبة، غريبة تعلق الأسئلة على الأكتاف وتملأ العين بالحيرة، غريبة لا تحتفظ بالماضي في زوادتها، عابرةٌ تسلكُ الدنيا، ولا تنادي أحدًا لتقف، ولا تسمّي نفسها ثم ينادونها لتقف، لم أستطع وقتها ولا الآن من تحديد سبب تلك الرغبة التي تقودني في الظلام إلى سوط القلق، لطالما كانت تؤرقني الليالي المتشابهة، إذ كانت تنافي رغبتي التي تأملتها طويلا وكلما أمعنت فيها تلاشت واختفت وأصبحت هالة شفيفة تختلط بليل الغرفة، وتتجمد في شتائها ..

ها أنا ذا أعود لبداياتي، وكيف أنه الصباح ابتسم لي مرة أو مرتين فالتمع نوره الذي سطع في وجهي فلم أعد أراه على ما اشتد من نوره، وكنت أسأل ما الذي يبعث للبصيرة أكثر، ذلك الضوء الذي يغشى على النظر أم الليل الذي يبتلع الأجسام؟ ما الذي يبعث للغربة أكثر ذلك الضوء الذي يزيف صورتك بالظل، أم الليل الذي يخفي كل صورك ليبقي صوتك الناطق يقول لك ما شئت من الحقيقة .. عرفت بأن الليل كان صادق معي، إذا تساوى الجميع في العمى، وعلى هذا كرهتُ النور الذي لا يهديني حقيقةً واحدة رهن تحركي ..

وها أنا ذا أعود لبداياتي، عندما أجلس بجانب جسدي وأتطلع إليه، هل كان سيقبل بالعيش في ظرف مكان لا علاقة بروحه به، وفي ظرف زمان لا علاقة لحياته به، ثم ماذا عن المئات المتسكعين في مخيلته؟ قد باتوا يرددون أقاويل ترشدهُ إلى طريقة أسهل لعيش الحياة ولا يستطيع أن يحفظها لأنه بكل بساطة لم يجربها، لأنه بكل بساطة لا يرى أن الحياة بهذا القدر من التبادل السهل الذي يهدر الطاقة والذات، لأنه لم يعي طريقة يفكر بها غير تلك التي اعتادها وخلق بها ليسير على نمط كان قد قدر له وهو راض به، فلماذا كل هذا الازدحام أمام بوابة أفكاره لتتعرض للتشويه قبل أن تتجسد في عينيه؟!

كان يريد أن يكون غريبا، وعندما لم يكن هناك متسعٌ من الوقت ولا مساحة للرؤية ليكون باديًا عليه ذلك، تغرّبت دواخله ..
جسدٌ لا يعرف مآله، ولا روحه التي تسبح فيه .. جسدٌ يجهل سؤاله وجوابه، ويتشظّى إلى مئة جماعة متفرقة .. وتجتمعُ فيه مئة أخرى من البشر يصبون أقاويلهم - التي لا يستطعمها - في مجراه، وهو يقاتل لأجل أن يكون بداخله ليل واحد لا نهار له، صوت واحد بلا شكل ولا ظل، حتى إذا ما انعدمت مرآته الخارجية كان لفمه فرصة الحديث بلا نشاز الأفكار التي تطرأ وتنزّ لتخلّ باتساقه مع رتم الحياة وموسيقيتها المتعرجة / الصاخبة / الخافتة أحيانا .. والصامتة أحيان أخرى ..

نحن رهن البدايات، وعلى أثر تحققها أو السعي في ذلك نتناقص، نقلّ، ونذهب بلا عودة ..

السبت، 14 أبريل 2012

14


في الحرب يعامل الإنسان كرصاصة, جرمها فادح .. وخسارتها أقرب الاحتمالات ..
 
لذا, لا يدخل إلى حربه كرصاصة قد تكون الأخيرة من نوعها في ذخيرة الحياة .. لطالما علّمت الندوب فوق بطنه وساقيه وبلا شك وجهه الذي كان يقف على أفقٍ واحدٍ في مستوى الموت, لكنه على كل هذا يبدو متحفظًا برصاصته الأخيرة, كأنما ينتظر أن يفرغ العدو حوزته ليظهر أمامه بكل كيان روحه ويطلق على أشد الأماكن إيلامًا, وموتًا, رصاصته الوحيدة .. لم يفعلها بعد, فلا أحد يستحق الموت بهذه السرعة, بهذا الوميض اللحظي, لا أحد .. لأن الموت مسألة مصيرية تتعلق بإنهاء علاقة الحياة بشخص عمدًا ! كأنما تبخسهُ عمره المقسوم له, كأنما تقطع صلة شيء كبير بشيء متناهي في الصغر يحتاج إلى الالتصاق والجاذبية مثلك, لو كان مجرم فعلا, فالأولى ترك روحه عالقة في فتحات ضيّقة تصنعها في جسده لتخلّص الروح نفسها من خلالها بتأنّي, من غير أن نصنع له الموت كخيار واحد وسريع مجبر على القيام به, أما لو كان غير ذلك, فهو لا يستحق الموت بأي طريقة بشرية أبدًا ..

لذا, لا يدخل إلى حربه كرصاصة, يحتفظ بنفسه وإن طالت الدماء أنينه, وقبل أن يخرج رصاصة العدو من جسده, يكون هذا الندّ قد تطاير مع البارود من كبس الطلقة قبل انطلاقها ..